المسئولية في إسلامنا تكليف لا تشريف، ولا يتنافس عليها إلا الغافلون أو المغفلون الذين لا يدركون حال المسؤول في الآخرة من حبس في الموقف، وسؤال عسير، فلا يجد من ينصره من بطانة السوء حيث لا يملك إلا الانقياد والذلة والخضوع لرب الأرض والسماء سبحانه. فما المسؤولية؟ ولماذا؟ وما أنواعها؟ وخيانة المسؤولية كيف تكون؟ أما المسؤولية: فهي التبعة والتكليف. واصطلاحا: هو التكليف الذي يعقبه الحساب. وينبغي أن تعلم: أن المسؤول مسؤول أمام من هو فوقه إلا رب العزة سبحانه فليس فوق الله أحد قال تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الأنبياء:23]. كما أنه لا مسؤلية إلا بتكليف قال تعالى: أيحسب الإنسان أن يترك سدى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [القيامة:36]. أي بلا أمر أو نهي. لا تكليف إلا بإرادة واعية، مدركة، عاقلة فلا تكليف على نائم لفقدان الوعي ولا على صبي لفقدان الإدراك ولا تكليف على مجنون لفقدان العقل للحديث: ((رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). والعبد لا يتحمل مسؤولية فعله في أحوال ثلاثة: ب- الإكراه: وعندما اشتد العذاب على عمار بن ياسر وقالوا: لا نتركك حتى تسب محمدا ففعل فتركوه فأتى النبي يبكي فسأل النبي فقال: ((كيف تجد قلبك))؟ قال عمار: أجده مطمئنا بالإيمان، فقال له النبي: ((يا عمار إن عادوا فعد)) أي إن عادوا لتعذيبك فعد إلى شتمي وأنزل الله قوله: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [النحل:106]. وللحديث: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وليس للعبد حجة أمام الله تعالى في أن يحتج بعلم الله المطلق على ما يأتيه من فعل كما قال بذلك القدرية والجبرية. ورد الله تعالى تلك الفرية بقوله سبحانه: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباءنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الأنعام:148]. وأما لماذا المسؤولية؟ فلا بد من المسؤولية حتى: لا يلقي أحد على أحد مسؤولية العمل المناط به، قال تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الإسراء:15]. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره % ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الزلزلة:6-7]. ولذلك كان من الواضح في إسلامنا ألا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فجعل رب العزة لطاعة الوالدين حدا، قال تعالى: وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [العنكبوت:8]. وجعل لطاعة ولي الأمر حدا للحديث: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وأما أنواع المسؤولية : أولا: مسؤولية القدوة والمنصب: ومن كان في هذا الموضع لابد له من ضابطين: الالتزام: فلا مخالفة ولا انفصام في الشخصية قال تعالى: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [هود:88]. وعقوبة المخالفة في إسلامنا عظيمة للحديث(يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق بها أقتابه (أمعاؤه) فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون: يا فلان ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). عدم الأخذ بالتقية: يقول ابن تيميه رحمه الله: (لا تقية لقدوة) لذا كانت مواقف أولي العزم من الرسل واضحة، وأهل السابقة من العلماء الأعلام من سلف الأمة فيها الأخذ بالعزائم لأنهم يعلمون أنهم في موضع لا يقبل فيه التأويل فالقلوب والعيون معلقة بهم، وفعلهم حجة يقتدي به من ورائهم لذا رفض الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أن يقول ما قاله غيره في القرآن مجاراة للتيار الذي غلب الأمة وتبناه السلطان، وكان رحمه الله يقول لمن يطلبون منه ينتظرون ما يقول غيره: (ارفعوا الستارة وانظروا) فإذا خلق قد حملوا القراطيس ينتظرون ما يقول أحمد ليسجل في عقيدة الأمة ودينها. ثانيا: مسؤولية الكلمة: والكلمة أنواع: أ- المكتوبة: وعلى المرء أن يستشعر لقاءه بالله يوم الحساب عند ما يكتب أو يخط بيده ولله در الشاعر إذ يقول: و ما من كاتب إلا ستبقى كتابتـه و إن فنيت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه ورحم الله شهيد الإسلام، صاحب الظلال، وقد طلب منه أن يكتب استرحاما للطاغية فقال: (إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة يأبى أن ينحني فيخط كلمة يسترضي بها طاغية). ب- المقولة: وهي التي تنطق بها الألسن : وللحديث: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوى بها سبعين خريفا في جهنم))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). ج- المسموعة: فإذا أسرك أخوك بحديث وخصك به فلا يجوز نشره أبداً فذلك يقدح في المروءة ويطعن في الصحبة بما لا ينفع معه دواء. ثالثا مسؤولية العهد: بينك وبين الله: كالبيعة فهي عهد على الطاعة لولي الأمر، ولكنها مع الله تكون، قال تعالى: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الفتح:10]. ولابد للبيعة من ضابطين: الوضوح: حتى تعلم ما أنت مقبل عليه، فتتعامل مع الأحداث تعامل الرجال أما الشك والإحباط والانتكاس لأول حدث أو فتنة فتلك بيعة الصبيان ولحديث عبادة بن الصامت قال: ((دعانا النبي فبايعنا، فقال أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان ))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). الوفاء: فلا عذر في مواطن الصدق، وعندما دعا موسى عليه السلام قومه إلى الجهاد قالوا: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [المائدة:24]. فأي عذر أقذر من هذا العذر، حيث الانتكاس والفرار والجبن في وقت يراد فيه الثبات والتضحية والفداء، ورحم الله ورضى عن المقداد بن الأسود في وقفته وقولته التي سر لها النبي سرورا عظيما عندما قال: والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. وأما خيانة المسؤولية كيف تكون؟ أن يشق عليهم بما فيه تضييق وشدة وظلم للحديث: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). أن يحتجب عنهم: بامتناعه عن النظر في مصالحهم: للحديث: ((من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). أن يستعمل على الناس غير الكفء الصالح للحديث: ((من ولي من أمر المسلمين شيئا، فأمر عليهم أحدا محاباة، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). أن يستثيرهم بما يكرهونه رغبة في الانتقام منهم وإيقاع الأذى بهم فذلك دليل خسة وطبع لئيم، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((ألم ترى أن قومك حين بنوا البيت اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال لو لا حدثان قومك بالكفر))، وفي رواية: ((لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها الحجر))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). تأمل معي كيف أن رسول الله ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم وإدخال الحجر مراعاة لإيمان الناس وقرب عهدهم بالكفر، فيا ليت من يتولى مسؤولية أي عمل وخاصة العمل الإسلامي أن يكون رحيما بأمة محمد وأن يكون فيهم كما وصف رسول الله نفسه إذا يقول: ((إنما أنا لكم مثل الوالد لولده))([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). أما استخدام الأساليب الملتوية، واستثارة الآخرين بما يكرهون، بالمعاملة، الاستفزازية حتى إذا غضبوا وقالوا كلمة دون قصد قامت الدنيا ولم تقعد، نقول ينبغي أن نتنزه عن هذه الأساليب الرخيصة التي لا نجدها إلا في الأراذل من البشر.
|