Admin Admin
عدد المساهمات : 381 تاريخ التسجيل : 02/05/2012 العمر : 34
الورقة الشخصية ورقة شخصية: ورقة شخصية | | | |
| موضوع: 2-1النبى موسى عليه السلام (الجزء الثانى) السبت سبتمبر 01, 2012 1:50 am | |
| هنا ينقدح سؤال مهم وهو: هل أودع آل فرعون الطفل "موسى" عند أمه لترضعه وتأتي به كل حين – أوكل يوم – إلى قصر فرعون لتراه امرأة فرعون؟!
لا يوجد دليل قوي لأي من الاحتمالين، إلا أن الاحتمال الأول أقرب لنظر كما يبدوا!
وهناك سؤال آخر أيضا، وهو: هل انتقال موسى إلى قصر فرعون بعد أكماله فترة الرضاعة أم أنه حافظ على علاقته بأمه وعائلته وكان يتردد مابين القصر وبيته؟!
قال بعض: أودع موسى بعد فترة الرضاعة عند فرعون وامرأته، وتربى موسى عندهما، تنقل هذا الصدد قصص عريضة حول موسى وفرعون، ولكن هذه العبارة التي قالها فرعون لموسى (عليه السلام) بعد بعثته ]﴿ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين؟!﴾، تدل بوضوح على أن موسى عاش في قصر فرعون مدة، بل مكث هناك سنين طويلة.
ويستفاد من تفسير علي بن إبراهيم أن موسى (عليه السلام) بقي مع كمال الاحترام في قصر فرعون حتى مرحلة البلوغ، إلا أن كلامه عن توحيد الله أزعج فرعون بشدة إلى درجة أنه صمم على قتله، فترك موسى القصر ودخل المدينة فوجد فيها رجلان يقتتلان، أحدهما من الأقباط والآخر من الأسباط، فولجه النزاع بنفسه.
موسى (عليه السلام) وحكاية المظلومين
وهنا نواجه مرحلة أخرى من قصة موسى (عليه السلام) وما جرى له مع فرعون، وفيها مسائل تتعلق ببلوغه، وبعض الأحداث التي شاهدها وهو في مصر قبل أن يتوجه إلى "مدين" ثم سبب هجرته إلى مدين.
إن موسى ﴿دخل المدينة على حين غفلة من أهلها﴾.
فما هي المدينة؟ لا نعرفها على وجه التحقيق.. لكن الإحتمال القوي أنها عاصمة مصر... وكما يقول البعض فإن موسى (عليه السلام) على أثر المشاجرات بينه وبين فرعون، ومخالفاته له ولسلطته التي كانت تشتد يوما بعد يوم حتى بلغت أوجها، حكم عليه بالتبعيد عن العاصمة.. لكنه برغم ذلك فقد سنحت له فرصة خاصة والناس غافلون عنه أن يعود إلى المدينة ويدخلها.
والمقصود من جملة ﴿على حين غفلة من أهلها﴾ هو الزمن الذي يستريح الناس فيه من أعمالهم، ولا تراقب المدينة في ذلك الحين بدقة، ولكن أي حين وأي زمن هو؟!
قال بعضهم: هو أول الليل، لأن الناس يتركون أعمالهم ويعطلون دكاكينهم ومحلاتهم إبتغاء الراحة والنوم، وجماعة يذهبون للتنزه، وآخرون لأماكن أخرى..
وعلى كل حال، موسى دخل المدينة، وهنالك واجه مشادة ونزاعا، فاقترب من منطقة النزاع ﴿فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه﴾.
والتعبير بـ "شيعته" يدل على أن موسى قبل أن يبعث كان له أتباع وأنصار وشيعة من بني إسرائيل، وربما كان قد إختارهم لمواجهة فرعون وحكومته كنواة أساسية.
فلما بصر الإسرائيلي بموسى استصرخه ﴿فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه﴾.
فجاءه موسى (عليه السلام) لاستنصاره وتخليصه من عدوه الظالم.. الذي يقال عنه أنه كان طباخا في قصر فرعون، وكان يريد من الإسرائيلي أن يحمل معه الحطب إلى القصر، فضرب موسى هذا العدو بقبضة يده القوية على صدره، فهو إلى الأرض ميتا في الحال: ﴿فوكزه موسى فقضى عليه﴾.
ومما لاشك فيه، فأن موسى لم يقصد أن يقتل الفرعوني، ويتضح ذلك من خلال الايات التالية أيضا.. ولا يعني ذلك أن الفراعنة لم يكونوا يستحقون القتل، ولكن لاحتمال وقوع المشاكل والتبعات المستقبلية على موسى وجماعته.
لذلك فإن موسى (عليه السلام) أسف على هذا الأمر ﴿قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين﴾.
وبتعبير آخر: فإن موسى (عليه السلام) كان يريد أن يبعد الفرعوني عن الرجل الإسرائيلي، وإن كان الفرعونيون يستحقون أكثر من ذلك. لكن ظروف ذلك الوقت لم تكن تساعد على مثل هذا العمل، وكما سنرى فإن ذلك الأمر دعى موسى (عليه السلام) إلى أن يخرج من مصر إلى أرض مدين وحرمه من البقاء في مصر.
ثم يتحدث القرآن عن موسى (عليه السلام) فيقول: ﴿قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم﴾.
ومن المسلم به أن موسى (عليه السلام) لم يصدر منه ذنب هنا، بل ترك الأولى، فكان ينبغي عليه أن يحتاط لئلا يقع في مشكلة، ولذلك فإنه استغفر ربه وطلب منه العون، فشمله اللطيف الخبير بلطفه.
لذلك فإن موسى (عليه السلام) حين نجا بلطف الله من هذا المأزق ﴿قال رب بما أنعمت على﴾ من عفوك عني وانقاذي من يد الأعداء وجميع ما أنعمت علي منذ بداية حياتي لحد الآن ﴿فلن أكون ظهيرا للمجرمين﴾ . ومعينا للظالمين.
بل سأنصر المؤمنين المظلومين، ويريد موسى (عليسه السلام) أن يقول: إنه لا يكون بعد هذا مع فرعون وجماعته أبدا.. بل سيكون إلى جانب الإسرائيليين المضطهدين.
موسى يتوجه إلى مدين خفية
حيث أن خبر مقتل الفرعوني في مصر انتشر بسرعة، والقرائن المتعددة تدل على أن القاتل من بني إسرائيل، ولعل اسم موسى (عليه السلام) كان مذكورا من بين بني إسرائيل المشتبه فيهم.
وبالطبع فإن هذا القتل لم يكن قتلا عاديا، بل كان يعد شرارة لانفجار ثورة مقدمة للثورة.. ولا شك أن جهاز الحكومة لا يستطيع تجاوز هذه الحالة ببساطة ليعرض أرواح الفرعونيين للقتل على أيدي عبيدهم من بني إسرائيل.
لذلك يقول القرآن في بداية هذا المقطع ﴿فأصبح في المدينة خائفا يترقب﴾.
وهو على كل حال من الترقب والحذر، فوجئ في اليوم التالي بالرجل الإسرائيلي الذي آزره موسى بالأمس يتنازع مع قبطي آخر وطلب من موسى أن ينصره ﴿فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه﴾.
ولكن موسى تعجب منه واستنكر فعله و ﴿قال له موسى إنك لغوي مبين﴾ إذ تحدث كل يوم نزاعا ومشادة مع الآخرين، وتخلق مشاكل ليس أوانها الآن، إذ نحن نتوقع أن تصيبنا تبعات ما جرى بالأمس، وأنت اليوم في صراع جديد أيضا!!
ولكنه كان على كل حال مظلوما في قبضة الظالمين (وسواء كان مقصرا في المقدمات أم لا) فعلى موسى (عليه السلام) أن يعينه وينصره ولا يتركه وحيدا في الميدان، ﴿فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما﴾ صاح ذلك القبطي: ﴿يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس﴾ ويبدو من عملك هذا أنك لست إنسانا منصفا ﴿إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين﴾
وهذه العبارة تدل بوضوح على أن موسى (عليه السلام) كان في نيته الإصلاح من قبل، سواء في قصر فرعون أو خارجه، ونقرأ في بعض الروايات أن موسى (عليه السلام) كانت له مشادات كلامية مع فرعون في هذا الصدد، لذا فإن القبطي يقول لموسى: أنت كل يومتريد أن تقتل إنسانا، فأي إصلاح هذا الذي تريده أنت؟! في حين أن موسى (عليه السلام) لو كان يقتل هذا الجبار، لكان يخطو خطوة أخرى في طريق الإصلاح..
وعلى كل حال فإن موسى إلتفت إلى أن ما حدث بالأمس قد إنتشر خبره، ومن أجل أن لا تتسع دائرة المشاكل لموسى فإنه أمسك عن قتل الفرعوني في هذا اليوم.
قرار قتل موسى
ومن جهة أخرى فإن الأخبار وصلت إلى قصر فرعون فأحس فرعون ومن معه في القصر أن تكرار مثل هذه الحوادث ينذره بالخطر، فعقد جلسة شورى مع وزرائه وانتهى "مؤتمرهم" إلى أن يقتلوا موسى، وكان في القصر رجل له علاقة بموسى فمضى إليه وأخبره بالمؤامرة.. وكما يقول القرآن الكريم: ﴿وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين﴾.
ويبدو أن هذا الرجل هو "مؤمن آل فرعون" الذي كان يكتم إيمانه ويدعى "حزقيل" وكان من أسرة فرعون، وكانت علاقته بفرعون وثيقة بحيث يشترك معه في مثل هذه الجلسات.
وكان هذا الرجل متألما من جرائم فرعون، وينتظر أ، تقوم ثورة "إلهية" ضده فيشترك معها.
ويبدو أنه كان له أمل كبير بموسى (عليه السلام) إذ كان يتوسم في وجهه رجلا ربانيا صالحا ثوريا، ولذلك فحين أحس بأن الخطر محدق بموسى أوصل نفسه بسرعه إليه وأنقذه من مخالب الخطر، وسنرى بعدئذ أن هذا الرجل لم يكن في هذا الموقف فحسب سندا وظهيرا لموسى، بل كان يعد عينا لبني إسرائيل في قصر فرعون في كثير من المواقف والأحداث.
أما موسى (عليه السلام) فقد تلقى هذا الخبر من هذا الرجل بجدية وقبل نصحه ووصيته في مغادرة المدينة ﴿فخرج منها خائفا يترقب﴾.
وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب ليدفع عنه شر القوم و ﴿قال رب نجني من القوم الظالمين﴾(
فأنا أعلم يارب أنهم ظلمة ولا يرحمون، وقد نهضت – دفاعا عن المحرومين- بوجه الظالمين، ولم آل جهدا ووسعا في ردع الأشرار عن الإضرار بالطيبين، فأسألك – يا ربي العظيم – أن تدفع عني أذاهم وشرهم.
ثم قرر موسى (عليه السلام) أن يتوجه إلى مدينة "مدين" التي كانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز، وكانت بعيدة عن سيطرة مصر والفراعنة..
أين كانت مدن؟!
"مدين": اسم مدينة كان يقطنها "شعيب" وقبيلته، هذه المدينة كانت تقع في شرق خليج العقبة (وشمال الحجاز وجنوب الشامات) وأهلها من أبناء إسماعيل "الذبيح" ابن إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وكانت لهم تجارة مع مصر وفلسطين ولبنان.
أما اليوم فيطلق على "مدين" اسم "معان". وفي الوقت الحاضر يبدو في الخرائط الجغرافية للأردن أن إحدى مدنها في الجنوب الغربي منها، واسمها "معان" تحمل الأوصاف ذاتها التي كانت في مدين.. وتنطبق عليها تماما.
لكن موسى شاب تربى في نعمة ورفاه ويتجه إلى سفر لم يسبق له في عمره ان يسافر إليه، فلا زاد ولا متاع ولا صديق ولا راحلة ولا دليل، وكان قلقا خائفا على نفسه، فلعل أصحاب فرعون سيدركونه قبل أن يصل إلى هدفه "مدين" ويأسرونه ثم يقتلونه.. فلا عجب أن يظل مضطرب البال!
أجل، إن على موسى (عليه السلام) أن يجتاز مرحلة صعبة جدا، وأن يتخلص من الفخ الذي ضربه فرعون وجماعته حوله ليصطادوه، ليستقر أخيرا إلى جانب المسضعفين ويشاطرهم آلامهم بأحاسيسه وعواطفه، وأن يتهيأ لنهضة إلهية لصالحهم وضد المستكبرين.
إلا أنه كان لديه في هذا الطريق وعواطفه رأس مال كبير وكثير لا ينفذ أبدا، وهو الإيمان بالله والتوكل عليه، لذا لم يكترث بأي شيء وواصل السير.. ﴿ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل﴾.
عمل صالح يفتح لموسى أبواب الخير
نواجه هنا مقطعا آخر من هذه القصة، وهي قضية ورود موسى (عليه السلام) إلى مدينة مدين. | |
|