بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد ،
يجب الإيمان بالنار أي جهنم وبأنها مخلوقة الأن، قال تعالى : ﴿
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [سورة البقرة ءاية ٢٤]، وهي أقوى وأشد نار خلقها الله، ومركزها تحت الأرض السابعة، وهي باقية إلى ما لا نهاية له، قال تعالى : ﴿
إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً ﴾ [سورة الأحزاب ءاية ٦٤ و٦٥].
يقول الله تعالى في القرءان الكريم : ﴿
وللذينَ كفروا بربِّهِمْ عذابُ جهَنَّمَ وبئسَ المصير إذا أُلقُوْا فيها سَمِعوا لها شهيقاً وهي تفورُ ﴾. [سورة المُلك / 6 و 7 ].
بهذه الآيات العظيمةِ أَبتدِأُ خطبتيَ اليومَ مذكِّراً نفسيَ وإيَّاكم بما وردَ في القرءانِ الكريمِ مِن وعيدِ اللهِ تباركَ وتعالى، علَّها تكونُ سبباً للتوبةِ مِن الذنوبِ والآثامِ، فجهنَّمُ هي نارٌ عظيمةٌ جداً وقدْ جاءً في الحديثِ الذي رواهُ الترمذيُّ أنها
أُوقِدَ عليها ألفَ سنةٍ حتى احمرَّتْ وألفَ سنةٍ حتى ابيضَّتْ وألفَ سنةٍ حتى اسودَّتْ فهي سوداءُ مظلمةٌ وهي بئسُ المآلُ والمنقلبُ الذي ينتظرُ من ماتَ على غيرِ الإيمانِ باللهِ وبرسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وإذا أُلقِيَ الكفارُ وطُرِحوا فيها كما يُطرَحُ الحطَبُ في النارِ العظيمةِ سمِعوا لها شهيقاً وهو الصوتُ الذي يخرجُ من الجوفِ بشدةٍ، والمرادُ أنهم سمعوا صوتاً منكراً كصوتِ الحمارِ تصوِّتُ مثلَ ذلك لشدةِ توقُّدِها وغليانِها وهي تغلي بهم ويزيدُ اللهُ في حجْمِ الكافِر في النارِ ليزدادَ عذاباً حتى يكونَ ضرسُه كجبلِ أُحُدٍ، ما بينَ منكبيِ الكافرِ يومَ القيامةِ مسيرةُ ثلاثةِ أيامٍ مثلَ ما بينَ لبنانَ والأردنِّ ولو كانت خِلْقَتُهُم تكونُ كما هي في الدنيا لذابوا بلحظَةٍ ولا يحيَوْنَ حياةً هنيئةً طيبةً بل هم دائماً في نكدٍ وعذابٍ وطعامُهم مِن ضريعٍ وهو شجرٌ كريهُ المنظرِ كريهُ الطعْمِ كريهُ الرائحةِ قالَ اللهُ تعالى : ﴿
ليسَ لهُمْ طعامٌ إلا مِنْ ضريعٍ لا يسمِنُ ولا يغني مِنْ جوعٍ ﴿ [سورة الغاشية /6/7] ، وقالَ اللهُ تعالى : ﴿
إنَّ شجرتَ الزَّقُّومِ طعامُ الأثيمِ كالمُهْلِ يَغْلي في البطونِ كَغَلْيِ الحميمِ ﴾. [سورة الدخان / 43، 44، 45 و46].
وهذه الشجرةُ منظرُها قبيحٌ جداً رائحتُها كريهةٌ جداً لا تطاقُ لكن هم مِن شِدَّةِ اضطرارِهم ومن شدةِ جوعِهم وحِرمانِهم كأنهم يأكلونَه بدونِ اختيارٍ، ملائكةُ العذابِ يُطعمونَهُم من هذا وكذلك يأكلُ أهلُ النارِ منَ الغسلين قالَ اللهُ تعالى : ﴿
فليسَ لهُ اليومَ ههُنا حميمٌ ولا طعامٌ إلاَّ مِن غسلينٍ لا يأكُلُهُ إلاَّ الخاطئونَ ﴾. [سورة الحاقّة / 35، 36 و37].
الغسلينُ إخوةَ الإيمانِ هو ما يسيلُ من جلودِ أهلِ النارِ منَ القذرِ لأنه كلما أنضجَتْ جلودَهم النارُ يكسونَ جلوداً غيرَها، يبدلهم اللهُ جلوداً غيرَها، يبدلهم اللهُ جلوداً غيرَها فيها رطوبَةٌ ثم تحترقُ وقد سالَ منها شىءٌ كثيرٌ من المستقذرِ فهذا الذي يسيلُ من جلودِهِم جعلَهُ اللهُ طعامَ أهل النارِ قالَ اللهُ تعالى : ﴿
كُلَّما نَضِجَتْ جُلودُهُم بَدَّلناهُمْ جُلُوداً غيرَها ليَذُوقوا العَذابَ ﴾ [سورة النساء / 56] فهذه الآيةُ دليلٌ على أنَّ عذابَ جهنَّم بالروحِ والجسَدِ وقد وصفَ اللهُ تعالى شدَّتَها في القرءانِ فقالَ : ﴿
تكادُ تميَّزُ مِنَ الغيظِ ﴾.
“تكادُ” تتقطَّعُ وتتفرَّقُ من الغيظِ على الكفارِ فجُعِلَتْ كالمغتاظةِ عليهِمُ استعارةً لشدةِ غليانِها بهِم يقولُ ربُّ العِزَّةِ في القرءانِ الكريمِ : ﴿
فأمَّا مَن طغى وآثرَ الحياةَ الدنيا فإن الجحيمَ هي المأوى ﴾ [سورة النازعات / 37/38/39] “أيْ مِن تجاوزِ الحدِّ في العصيانِ والكُفْرِ” وآثرَ الحياةَ الدنيا “أي انهمَكَ فيها باتباعِ الشهواتِ والركونِ إليها وتركِ الاستعدادِ للآخرة” فإنَّ الجحيمَ هيَ المأوى” هي مأوى مَنْ طَغَى وآثرَ الحياةَ الدنيا.
وجهنَّمُ ترصدُ مَنْ حقَّتْ عليه كلمةُ العذابِ فيدخُلُها الكافِرُ ويُحْبَسُ فيها قالَ اللهُ تعالى : ﴿
إنَّ جهنَّمَ كانت مِرْصاداً للطَّاغينَ مأباً لابثينَ فيها أَحْقاباً ﴾[سورة النبأ / 21/ 22/23] أي أنَّ الكفارَ سيمكثونَ في النارِ ما دامتِ الأحقابُ وهي لا تنقطِعُ كلَّما مضَى حقبٌ جاء حقبٌ وهكذا إلى ما لا نهايةَ لهُ فالنارُ لا تفنى ولا يجوزُ القولُ بفنائها وقد عدَّ عُلَمَاءُ الإسلامِ القولَ بفناءِ جهنَّمَ منَ الضَّلالِ المبينِ المُخرجِ منَ الإسلامِ والعياذُ باللهِ كما قالَ الإمامُ الحافظُ السبكيُّ رحِمَهُ اللهُ في رسالتِهِ التي سمَّاها الاعتبارُ ببقاءِ الجنَّةِ والنارِ، فربُّنا عزَّ وجلَّ قيَّضَ لهذا الدينِ من يدافعُ عنه ذاكَ الزمنِ رَدَّ السبكيُّ رضيَ اللهُ عنه على ابن تيميةَ الحرَّاني الذي قالَ بفناءِ النارِ، ونحمدُ اللهَ تعالى أن قيَّضَ لنا في هذا الزمنِ مَنْ يردُّ على من قالَ بمقولةِ ابنِ تيميةَ وتلميذِه ابنِ القيِّمِ الجوزيةِ. إخْواني إنَّ ابنَ تيميةَ ليسَ فقيهاً ولا مجتهداً فباللهِ عليكُم كيف نأخُذُ أمورَ ديننا ممَّن خَرَقَ الإجماعَ يعني خالفَ الإجماعَ بنحوِ ستينَ مسئلة وكذلكَ تلميذُهُ ابنُ قيمِ الجوزيةُ ليس فقيهاً ولا مجتهداً فكيفَ يكونُ فقيهاً ومجتهداً وهو يتبعُ ابنَ تيميةَ في مقولاتِهِ الفاسدةِ وكذلك مَن أخذَ بكلامِهِم هذا الفاسِد ليسَ أهلاً أن يؤخذَ منهُ عِلْمُ الدِّينِ. فنقولُ له إنَّ اللهَ تعالى يقولُ في القرءانِ الكريمِ في سورةِ الأحزابِ : ﴿
إنَّ اللهَ لعنَ الكافرينَ وأعَدَّ لهم سعيراً خالدينَ فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً ﴾ فأجمعَتِ الأمَّةُ المحمديةُ على أنَّ النارَ باقيةٌ إلى ما لا نهايةَ كما ذكَرَ الطحاويُّ رحمَهُ اللهُ في رسالتِهِ التي ألَّفَها لبيانِ عقيدةِ السَّلَفِ والتي بدأَها بقولِهِ : “
هذا ذِكْرُ بيانِ عقيدةِ أهْلِ السنَّةِ والجماعةِ ” وفيها قولُهُ “
والجنةُ والنارُ مخلوقتانِ لا تفنيانِ أبداً ولا تبيدانِ” فبذلكَ يَظْهَرُ بطلانُ قولِ ابنِ تيميةَ الحرَّاني الذي قالَ بفناءِ النارِ كما أثبتَ ذلكَ عنهُ تلميذُهُ ابنُ قيِّمِ الجوزيةُ في كتابِهِ المسمَّى حادي الأرواحِ إلى بلادِ الأفراحِ.
فالكفارُ في جهنَّمَ في ذُلٍّ ما بعدَهُ ذُلٌّ وهَوَانٌ ما بعدَهُ هوانٌ وقد وردَ أنهم يستغيثونَ بمالكٍ خازنِ النارِ فيجيبُهُم بعدَ ألفِ سنةٍ إذلالاً لهم، واستغاثتُهُم هذه ليست للخروجِ بل يطلبونَ الموتَ من شدةِ العذابِ قالَ اللهُ تعالى : ﴿
ونادَوا يا مالكُ لِيَقْضِ علينا ربُّكَ قالَ إنَّكُم ماكثونَ لقد جئناكُمْ بالحقِّ ولكنَّ أكثرَكُم للحقِّ كارِهونَ ﴾ [سورة الزخرف / 77و 78] يجيبُهُم بعدَ ألفِ سنةٍ جواباً يزيدُهُم همَّا وغمَّا بأنهم ليسَ لهم خروجٌ مِنَ النَّارِ.
وأما المسلمون العصاة من أهل الكبائر الذين يموتون قبل التوبة صنفان : صنف يعفيهم الله من عذاب النار ويدخلهم الجنة بلا عذاب بفضله ورحمته. وصنف يعذبهم في النار المدة التي يستحقونها ثم يخرجهم منها ويدخلهم الجنة ويعيشون فيها إلى الأبد. إنّ المسلم العاصي الذي يعذبه الله في النار لا يخلد في النار خلوداً أبدياً. لأنّ الكافر هو الذي يخلد الخلود الأبدي في النار.
عن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول: « إِ
نَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيامَة لَرَجُلٌ يُوضَعُ في أَخْمَصِ قَدميْهِ جمْرَتَانِ يغْلي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَا يَرى أَنَّ أَحداً أَشَدُّ مِنْه عَذَاباً ، وَإِنَّه لأَهْونُهُمْ عذَاباً » متفق عليه