أما بعد: واستكمالاً لما سبق بقي معنا من أشراط الساعة الكبرى النار التي يخرجها الله تعالى من قعر عدن من بحر حضرموت كما جاء في بعض الروايات تحشر الناس إلى محشرهم، وهي آخر علامات الساعة الكبرى، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة ولا يكون بعدها إلا النفخ في الصور. فإذا خرجت هذه النار انتشرت في الأرض كلها حتى تجمع من في المشرق ومن في المغرب تسوق الناس إلى أرض المحشر. روى الترمذي بسند صحيح عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستخرج نار من حضرموت قبل القيامة تحشر الناس، فقالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام)). ويكون حشر الناس على ثلاثة أفواج: فوج راغبون طاعمون كاسون راكبون وفوج يمشون تارة ويركبون أخرى يعتقبون على البعير الواحد كما ثبت في الصحيحين: اثنان على بعير وثلاثة على بعير وعشرة على بعير. وذلك من قلة الظهر يومئذٍ. والفوج الثالث تحشرهم النار فتحيط بهم من ورائهم وتسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر تقيل معهم النار حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا ومن تخلف أكلته النار. والأرض التي تحشر النار الناس إليها هي أرض الشام كما روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشام أرض المحشر والمنشر)). وعند الامام أحمد عن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ تَحْشُرُهُمْ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ)). والسبب في كون أرض الشام هي أرض المحشر هو أنه عندما تقع الفتن في آخر الزمان تكون أرض الشام هي محل الأمن والأمان. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ)) رواه الإمام أحمد بسند صحيح. وقد تقدم أن نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان يكون بالشام وبه يكون اجتماع المؤمنين لقتال الدجال. أيها المسلمون: إن هذا الحشر للناس ليس هو حشر الآخرة، وإنما هذا حشر يكون في الدنيا، وأما الحشر الآخر الذي يكون يوم القيامة فبعد بعث الناس من القبور. قال ابن كثير رحمه الله: فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محل الحشر وهي أرض الشام. وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الزمان حيث الأكل والشرب والركوب على الظهر المُشترى وغيره وحيث تُهلك المتخلفين منهم النار ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت ولا ظهر يُشترى ولا أكل ولا شرب ولا لبس في العرصات. انتهى. أيها الأحبة: إن هذا الكون العجيب الغريب الذي نعيش فيه، يعج بالحياة والأحياء الذين نشاهدهم والذين لانشاهدهم، وهم فيه في حركة دائبة لاتهدأ ولا تتوقف، وسيبقى حاله كذلك إلى أن يأتي اليوم الذي يهلك الله فيه جميع الأحياء وهو يوم النفخ في الصور، الذي ينتهي بعده الحياة في الأرض والسماء كما قال تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وهي نفخة هائلة مدمرة يسمعها المرء فلا يستطيع أن يوصي بشئ ولا يقدر على العودة إلى أهله وخلانه [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سرعة هلاك العباد حين تقوم الساعة فقال: ((وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا)) رواه البخاري. والنافخ في الصور هو اسرافيل عليه السلام، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مستعد منذ أن خلقه الله ينتظر أن يؤمر فينفخ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن طَرْفَ صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان درّيان)). وأما في هذا الزمان الذي اقتربت فيه الساعة أصبح اسرافيل أكثر استعداداً وتهيؤاً للنفخ في الصور. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ، فينفخ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله ربنا)). وسيكون النفخ في الصور يوم الجمعة فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ)). رواه ابوداود. ولما كانت الساعة تقع في يوم الجمعة فإن المخلوقات تكون خائفة مشفقة كل جمعة إلا الإنس والجن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ)). رواه أهل السنن. أيها المسلمون: ثم يأمر الله تعالى بالنفخة الثانية وهي نفخة البعث، فإذا شاء الحق تبارك وتعالى إعادة العباد وإحياءهم أمر اسرافيل فنفخ في الصور، فتعود الأرواح إلى الأجساد ويقوم الناس لرب العالمين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وقد وصف المولى جل وتعالى مشهد البعث وتعجب الموتى من ذلك فقال سبحانه: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]. وقبيل نفخة البعث يُنزل الله مطراً من السماء فتنبت منه أجساد العباد من التراب. وهذا يماثل إنبات النبات من الأرض إذا نزل عليها الماء كما قال تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات، كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ويكون إنبات الإنسان من عظم صغير هو عجب الذنب وهو العظم الصلب المستدير في أصل العجز .عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ قَالَ وَلَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه مسلم. ولمسلم أيضاً قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا: أَيُّ عَظْمٍ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجْبُ الذَّنَبِ)). وحيثما هلك العباد فإن الله تعالى قادر على الاتيان بهم سواء هلكوا في أجواء الفضاء أو غرقوا في أعماق البحار أو غاروا في طبقات الأرض أو أكلتهم الطيور الجارحة أو الحيوانات المفترسة فكل ذلك عند الله سواء [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شئ قدير [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]. أيها المسلمون: ويختلف الخلق بعض الشيء في طبيعة الخلق بعد البعث عما كانوا عليه في الدنيا، فمن ذلك أنهم لايموتون أبداً بعد هذه البعثة، فإما نعيم أبدي وإما عذاب سرمدي، ومن ذلك أنهم يبصرون ما لم يكونوا يبصرونه في الدنيا من الملائكة والجن وغيرهم. وأول من تنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وسيحشر الناس حفاة غير منتعلين عراة غير مكتسين غرلاً غير مختنين. فسألت عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض)). وسيبعث كل أحد على الحال التي مات عليها من الايمان أو الكفر، أو اليقين أو الشك، كما يبعث على العمل الذي كان يعمله عند موته. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم)) رواه مسلم. فالذي يموت وهو محرم متلبس بحج أو عمرة يبعث يوم القيامة ملبيا، والشهيد الذي يقتل في أرض المعركة يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك، والذي يموت وهو يقول لا اله الا الله يموت على التوحيد يبعث يوم القيامة ناطقاً بهذه الكلمة الطيبة، ولهذا استحب تلقين الميت لا إله إلا الله. فاحرص يا عبدالله أن تكون دائماً على خير، واحرص أن تكون في غالب أوقاتك في طاعة فإنك لا تدري متى تقبض، وعلى ماذا تقبض. فهنيئاً لمن تخرج روحه وهو يصلي، وهنيئاً لمن يموت وهو صائم ذلك اليوم، وهنيئاً لمن تقبض روحه وهو في طلب علم أو دعوة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو صلة رحم أو برٍ لوالدين أو أي عمل من أعمال الخير. ويا خسارة من يموت وهو سكران والعياذ بالله أو تقبض روحه وهو متلبس بمعصية أو جالس في مكان لايرضي الله عزوجل أو يموت وهو يشاهد وينظر في أشياء محرمة. فلنتق الله أيها الأحبة ولنعلم بأن الأعمال بالخواتيم. أيها المسلمون: وسيكون هذا الحشر في أرض أخرى غير هذه الأرض قال الله تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن صفة هذه الأرض الجديدة التي يكون عليها الحشر فقال كما في حديث سهل بن سعد عند البخاري: ((يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد)). قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: تبدل الأرض أرضاً كأنها الفضة لم يسفك عليها دم حرام، ولم يعمل عليها خطيئة. نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ألا يتوفانا إلا ونحن مسلمون. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه واتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. أقول هذه القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |